( “المستقبل هو ملك لأولئك الذين يؤمنون بجمال أحلامهم” اليانور روزفلت)

فالمستقبل هو ملك لكل من يستعد له ويساهم في تخطيطه وتصميمه، فهو لن يكون أبدًا صورة للماضي، ولا يمكن تنجيمه فهو يعتمد على توفر المكونات الأساسية، والتي تنعكس في شامل فهم استشراف المستقبل وتحدياته، وكذلك التدريب على أدواته وتقنياته. فهل تساءلتم يوماً لماذا كانت شركة شيل من أقل الشركات تضرراً عند حدوث أزمة النفط؟

ما هو المستقبل؟

قبل أن نتعرف على مفهوم المستقبل، فلا بد أنكم تعرفون أن أغلب الفيديوهات التي ظهرت بكثرة في ذلك الوقت كانت تتحدث عن مستقبل العالم. فمثلاً لو فتحت اليوتيوب لوجدت فيديو يتحدث عن مستقبل العالم بعد كوفيد-19، أو عن مستقبل الوظائف بعد عصر الأتمتة والذكاء الصناعي.

المستقبل هو وقت قادم لم يحدث بعد، لكنه سيحدث بلا شك، لكن المعلومات حول المستقبل ما زالت ناقصة على الرغم من توافر بعض الكتب والتنبؤات. فمثلا ما هو مستقبل أمن الشبكات بعد تطوير الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الحوسبة الكمومية. وتختلف نظرتنا إلى المستقبل بناءً على آراء الناس، فهناك من يعتبر أن المستقبل هو زمن خطي، أي أن الأحداث تتوالى وتتابع، وهناك حضارات مثل حضارة الإنكا تعتبر أن المستقبل هو زمن دوري. ولكن ما يتم اعتماده هو أن المستقبل زمن خطي.

هل يمكننا التنبؤ بالمستقبل؟

” لا يمكننا التنبؤ في المستقبل، ولكن يمكننا فعلاً التحضير للمستقبل”

فالمستقبل ليس تنجيمًا بل هو قائم على منهجية علمية تعتمد على توافر المقومات الأساسية التي تتمثل في الفهم الشامل لاستشراف المستقبل. فلابد أنك سمعت عن نصرة دانس الذي أصدر كتاباً يسمى التنبؤات (The predicts)، حيث تنبأ بالعديد من الأحداث التي ستحدث في المستقبل، فبعضهم ينسب إليه بأنه تنبأ بحريق لندن الكبير، والأحداث التي ستجري على يد هتلر ومع ذلك؛ فالعديد من التنبؤات التي ظهرت في كتاب نصرة دانس لم تحدث أو كانت خاطئة، وحتى الأحداث التي نسبت إليه أنه تنبأ بها، فإنه يمكن تأويلها وتحليلها وتطبيقها على العديد من الأحداث الأخرى.

عالم الفوكا:(VUCA World)

والفوكا هي مصطلح ظهر في نهاية القرن العشرين لدى الباحثين في القطاع العسكري والمدني. وهو مصطلح تم أخذه من الأحرف الأولى لأربع كلمات إنجليزية هي التقلب(Volatility)، وعدم اليقين (Uncertainty)، والغموض(Ambiguity)، والتعقيد (Complexity)، ويستخدم للتعبير عن العمل في بيئة يصعب السيطرة عليها لاتصافها بتلك الأربع الصفات.

ما هي أقسام المستقبل؟

هناك تقسيمات عديدة للمستقبل:

. ينقسم المستقبل من حيث الأفق الزمني إلى ثلاثة أقسام: مستقبل قريب، مستقبل متوسط، مستقبل بعيد. وهذه التقسيمة هي الأكثر استخداماً في أغلب الاستراتيجيات التي تتعلق بالمستقبل

. ينقسم المستقبل بناءً على نظرة الأشخاص إلى كيفية تطور الأحداث في المستقبل، فهناك ما يُعرف بالمستقبل المفضل أو الممكن الحدوث future possible، وهناك ما يُعرف بالمستقبل المحتمل future probable، وهو ما تُعنى به دراسات التخطيط الاستراتيجي.

ما هي الإشارات والتوجهات المستقبلية؟

 الإشارات المستقبلية

” المستقبل موجود حالياً لكنه ليس موزعاً بالتساوي”

ومعنى هذه المقولة الشهيرة أن ما يكون عليه المستقبل من خدمات فإنه يتواجد منه اختراعات في أماكن عديدة في العالم ولكنها لم تنتشر بكثرة، وسوف تتطور في المستقبل لتؤثر على أعداد كبيرة من الأشخاص.

الإشارات المستقبلية هي الأحداث والاختراعات التي تنتشر في جميع أنحاء العالم، وتكمن أهمية هذه الإشارات في توسيع رؤيتنا للأحداث الموجودة في وقتنا الحاضر، وكيف يمكن أن تتطور في المستقبل، وهذه الأحداث لا تقتصر على مجال معين بل تشمل كافة مجالات حياتنا. ومن الأمثلة على ذلك: شركة توبر للنقل التشاركي، والتي عند ظهورها في الولايات المتحدة قامت بتشكيل إشارة عن مستقبل النقل. وهناك العديد من شركات النقل التشاركي مثل Lift, Careem, Uber التي أثرت بشكل كبير جداً على صناعات كانت قائمة مثل: صناعة النقل والموظفين الذين يعملون لديها. فلو نظرنا إلى شركة ناشئة في الولايات المتحدة تقوم بتقديم خدماتها بطريقة جديدة، فهذا سوف يشكل توجه مستقبلي للقطاع الذي تعمل فيه.

 التوجهات المستقبلية

هناك ثلاثة أنواع للتوجهات المستقبلية، وذلك بناءً على حجمها ونطاق تأثيرها:

التوجهات الضخمة Mega trend:

وتكون هذه التوجهات كبيرة، وتشمل كافة المجالات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، ويمتد تأثيرها لفترات زمنية طويلة، وتؤثر عالمياً. ومن الأمثلة على ذلك: التغير المناخي، أو الهجرة إلى المناطق الحضارية ونمو المدن الكبيرة.

التوجهات الكبيرة Macro trends:

وهي عبارة عن تغييرات كبيرة تؤثر على اتجاه معين ولا يؤثر على العالم بأكمله، ويمتد نطاقها الزمني من 5-10 سنوات. ومن الأمثلة على التوجهات الكبيرة: الجرائم الالكترونية.

Micro trends:

وهي عبارة عن إشارات مبنية على توجه كبير قد يحدث، وتقتصر على سوق استهلاكي معين ويمتد نطاق تأثيرها من 3-5 سنوات. ومن الأمثلة على التوجهات الميكروية الصغيرة: ثقافة استخدام الدراجات الهوائية.

ما المقصود بعلم استشراف المستقبل؟

يعد استشراف المستقبل أحد التوجهات الجديدة التي ظهرت مؤخرًا لأنه يهدف إلى تطوير الاحتمالات والتوقعات، والتنبؤ بالحلول المناسبة لمواجهة المشكلات والتحديات. فما المقصود بعلم استشراف المستقبل؟

استشراف المستقبل هو العلم الذي يُوظف الأدوات التي تساعدنا كدول، أو مؤسسات أو أفراد على التعرف على الفرص والتحديات المستقبلية لمعرفة مدى تأثيرها علينا، وبالتالي يمكننا من تطوير حلول ابتكارية ومبادرات تساعدنا على توليد بدائل نتعامل من خلالها مع هذه التطورات والتحديات والفرص.

وهناك ثلاث مراحل رئيسية متفق عليها من جميع الدول، وهي كالتالي:\

مرحلة استكشاف الإشارات والتوجهات المستقبلية؛ أو ما تُعرف بالاستشعار أو الاستشراف، ويتم من خلالها توسيع الرؤية لما قد يحدث حولنا.

مرحلة التحليل أو بناء التصورات المستقبلية أو ما تُعرف بالتخطيط، وتتم هذه المرحلة بناءً على ما تم استشعاره في المرحلة السابقة.

مرحلة الفعل، وهي التي يتفق عليها الجميع، ويتم من خلالها بناء خطط العمل والمبادرات التي تساعدنا في التعامل مع والتوجهات المستقبلية.

ما هي الأسباب التي تؤدي الى فشل الشركات ؟

عالم اليوم مليء بالمتغيرات المستمرة، والظواهر والأحداث المختلفة متشابكة بشكل معقد. لذلك، إذا لم يكن لدى المؤسسات أو الدول خريطة واضحة للاستجابة للتغييرات المفاجئة دون تخطيط، فسيكون من الصعب عليهم اتخاذ القرار الصحيح في الوقت المناسب. وهذا سيلقى بهم وسط مجموعة من الأخطار، ولهذا أصبح استشراف المستقبل وفهم تحدياته جزءًا من المعرفة الأساسية للتعامل مع الواقع المعاصر.

 على سبيل المثال: عندما تم طرح أول iPhone لشركة Apple، أعلن الرئيس التنفيذي لشركة منافسة أنه لا أحد يرغب في شراء هاتف محمول بقيمة 700 دولار، لكن هذا الهاتف أصبح الآن أحد أكثر الأجهزة المحمولة مبيعًا في العالم. كما سيؤدي فشل المؤسسات الكبيرة في استكشاف الاتجاهات المستقبلية إلى فقدانها لفرص النمو والتطور، وتوقفها عن العمل وإغلاقها بسبب ظهور منافسين يقدمون خدمات ومنتجات ذات جودة أعلى من هذه الشركة.

ما هي الجهات التي حرصت على تطبيق علم الاستشراف المستقبلي؟

كما ذكرنا سابقا بأنه يجب أن تكون هناك خطة واضحة لدى جميع الدول لمواكبة التطورات التي تحدث من حولنا. وهذا ما حرصت عليه شركة شيل حيث قامت بتأسيس فريق مختص باستشراف المستقبل، لمتابعة التطورات وتحليلها ووضع خطط عمل مناسبة لقيادة المؤسسة حتى يكونوا مستعدين للمستقبل.

على سبيل المثال، عندما حدثت أزمة النفط عام 1973، كانت شركة شيل من أقل الشركات تأثراً بهذه الأزمة كونها كانت مستعدة لذلك اليوم. وأيضا صدرت دراسة مهمة عن الشركات الموجودة في الاتحاد الأوروبي في عام 2018، التي تعتمد على منهجيات استشراف المستقبل مقارنة بالتي لا تعتمد عليها، حيث وجدوا أن هناك زيادة بنسبة 33% على الربحية للمؤسسات التي تعتمد على هذه المنهجيات. فمثلا على المستوى الوطني، تعد سنغافورة واحدة من أكثر الدول التي طورت هذه الاساليب وجعلتها احدى ركائز المراجعة السنوية للاستراتيجية الحكومية. واعتمدت الامارات العربية المتحدة استراتيجية للمستقبل منذ عام 2016، وقامت بتحديد القطاعات المهمة للمستقبل مثل قطاع الطاقة والصحة وغيرهما.

ويمكن تطبيق ما سبق على المراحل التي تم ذكرها سابقا كالتالي:

في مرحلة الاستكشاف، يمكن أن نطبق المسح الأفقي.

في مرحلة التحليل وبناء السيناريوهات، يمكن أن نطبق أداة بناء السيناريوهات المستقبلية.

في مرحلة التطبيق، يمكن أن نستخدم أدوات التخطيط أو Road mapping.

مصادر التطورات المستقبلية:

هناك العديد من المصادر المهمة التي يمكن الرجوع إليها لمعرفة التطورات المستقبلية مثل: مرصد المستقبل وهو مبادرة من مؤسسة دبي للمستقبل، ويقوم برصد أحدث التطورات المستقبلية في العديد من المجالات. وأيضاً منصة ابتكر وهي تابعة لمركز محمد بن راشد للابتكار.

وختاماً، فان عدم يقيننا حول ماهية هذه الأحداث، ومتى ستحدث؟ وما هو شكلها وحجمها ونطاق تأثيرها؟ هو ما يقودنا للخوض في تفاصيل هذا الموضوع. حيث تطور مفهوم المستقبل بشكل واضح مع تطور الفكر البشري، من منظور رؤية المستقبل كمصير حتمي، لا يمكن تجاوزه بأي شكل من الأشكال، إلى منظور قائم على المبادئ. القدرة على أن تصبح وتتجدد في الحياة، وأن ترى بعدًا زمنيًا يمكن للصورة التحكم فيه في المستقبل.